Tuesday, July 15

حين قررت الرحيل


أرسلت لها رسالة قصيرة " الأن قررت النهاية" ، كانت تعلم ما أعانيه وتتفهم قصدي، وكنت أعلم انها تستطيع التصرف، إتصلت فور
إستلامها الرسالة تصرخ في وجهي " لأ متعمليش كده"، أجبتها باقتضاب " خلاص عملت"، اغلقت الخط وبعده الهاتف وحاولت النوم
بسلام الى الأبد

لم تمض اكثر من عشر دقائق حتى وجدت حاله من الإستنفار التام في البيت، جميع هواتف البيت أجراسها تدق وبعده بقليل جرس الباب، علمت انها هي، لم تكن في داخلي رغبة في صدها عما تفعله، كما لم اتمن نجاحها فيه.

توجهت إليها وفي صوت خافت رجوتها تركي، صرخت لا، رجوتها مرة اخرى ألا تخبرهم شيئا يكفيني ما انا فيه، وهي لاتزال تصرخ بلا، قلت لها ان الحياة ان استمرت ستصبح اقسى ولن استطع الاحتمال، افهمتها ما كانت تعرفه ان العقوبه اقسى من الاحتمال، وان السجن في غرفتي سيودي بحياتي ان لم افعل انا.

لم تغير من رأيها كثيرا ولم تقتنع ان كل هذا يستحق الرحيل، افهمتها ان ربي ارحم وانني سأكون في كنفه حين أذهب، ظلت تصرخ وتصرخ حتى يأست من إفهامها كالأخرين
بعدها بدأت برودة الموت تسري في اطرافي، في رعشه إستسلمت لها أناملي، أتى ابي وامي كانت قد قالت لهم اني متعبه، ولكن حين وصولهم قالت اني فعلتها رغم اني رجوتها ألا تفعل


أخذوا يصرخون كالمجانين، لكنى حينها كنت قد بدأت أذهب الى عالم ليسوا هم ساكنيه، وأعود لأسمع صرخات متقطعه وأذهب من جديد، ألبسوني وحملوني، لم أرغب في الذهاب ولم أقوى على العناد، وفي داخلي هاجس.... سأنتهي قبل ان نصل.

اصبحت البروة تسري في عروقي لتذهب ما تبقى من حرارة جسدي، ويفيقني كل فترة سخونة يد امي وهي تمسك معصمي لتعد النبضات، بدأت ابكي وأبكي فأنا مازلت هنا وكل ما أفكر فيه ماذا سأفعل ان بقيت معهم بعد ما فعلت ؟!، الطريق الى المستشفى مزدحم ولكننا وصلنا سريعا، وعند الباب " مركز السموم منين؟" أشار له الحارس بيده فنطلق، لم ادخل مستشفى الدمرداش قبلا، لكن الطريق بداخلها كان طويلا، لحظات عودتي وقتها أصبحت أقصر، لكن طعم مرارتها أصبح أقوى، دخلنا الى أقرب ما يكون الى الباب ولكن قدمّي قد سبقتني الى حيث اريد الذهاب، لم أعد أشعر بهما على الاطلاق، حملوني ووضعوني على كرسي متحرك... قديم.. مهترء عجلاته تصدر أنينا يصدِع جدران صمتي، وانا اقولها: "الأن يارب الأن "

اوقفنا موظف الإستقبال الجالس على يمين ذلك الباب ذو العتبه التي كادت أن تفكك الكرسي أجزاءا حين مرورنا عليها، قال الدباجة التي حفظها منذ الأزل:" لازم بيانات الحاله وبطاقة اي حد الأول"، صرخت فيه امي وهي لم تتوقف عن تحريك الكرسي :" يعني احنا هنطير.." ، دخلنا وظل ابي عند الباب ليتمم الاجراءات

دخلنا من باب بجوار المكتب ايضا جهة اليمين، ذلك المؤدي الى ممر طويل، ممر معتم كئيب، رائحة الموت تملأ اركانه، وفي أخره بابٌ أخر يوصل الى غرفة بيضاء بها ثلاثة أسرة تفصل بينهم ستائر رمايه قاتمه غير مغلقه، فور دخولنا أتت الممرضة سألتها أمي :"فين الدكتور..." ذهبت وعادت مع طبيبة صغيرة في السن متعجرفة بتصنع، سألت بوجه عبوس وصوت يملأه الضيق :"خير.."
ردت أمي بخزي لم أعهده عليها :"اخذت اكتاترون وبنادول ودرامينكس......"
الطبيبة:" وده علاج ايه بقى؟؟ " قالتها بسخرية مستفزة
أمي:" لأ هي خدتهم كده ..... علبة من كل واحد"
الطبيبة:" من اد ايه كده؟؟ "
أمي :" من ساعه تقريبا "


احضرت سائلا طعمة مقزز في كأس بلاستيك صغير، طلبت من امي ان تسقيني إياه ثم تسقيني لترين من الماء، دخل ابي وقتها فطلبت منه امي الذهاب لشراء الماء، لأنها لن تستطيع ان تسقيني من زجاجه بيبسي قديمة تملأها الممرضة للجميع من حوض ماء في أقصى يسار الغرفة في الجهة المقابله للأسرة

ذهب ابين حاولت امي ان تسيني الدواء، لم استطع فرائحته تثير الغثيان، حاولت مرة اخرى فبصقته، رأتني الطبيبة من بعيد أتت إلي صارخة :" انت بتهزري ولا ايه بالضبط... لو مأخدتهوش اضطر اعملك غسيل معده وساعتها مش هبقى عايزة اسمع صوتك"
كم كرهتها وكرهت تعجرفها الكاذب، لكني فيما بعد عذرتها فهي تتعامل يوميا مع الموت وجها لوجه دون ان تخشاه، ولكنه عذر واهي لم اقتنع به


حضر ابي ومعه الماء وبدأت أشرب وأشرب وأشرب وكل مرة اطلب من امي التوقف فانا لم اعد استطع شرب المزيد، وامي ترجوني" اخر بق ...." فأشرب، حتى أفرغت محتويات معدتي مع كثرت الماء، نظرت امي وقتها الى الطبيه فقالت لها :" كويس كملي..."
دخل بعدها الغرفه شاب لم يتجاوز ال17 او 18 من عمره اطال لحيته بشكل مخيف، فكانت الأجزاء التي لم تنمو منها مغطاة بفعل الاجزاء النامية، كان فاقد الوعى نهايئا، امه في حاله يرثى لها، فهي بملابس النوم ووجهها شاحب يبدو عليه الفزع، تحمل في يدها بعض


اشرطة فارغه لأدويه كثيرة

اعطت للطبيبة هذه الأشرطة اول ما رأتها، صرخت الطبيبة فزعت:" دي ادوية ضغط وقلب ..... هو مجنون"
اجابتها الام :" دي ادوية جده " قالتها وهي تحاول ان تتمسك باي امل قد يبدو على وجه الطبيبة التى اسرعت وأمرت ممرضة كانت واقفه :" حاولي تفوقيه بسرعه"


ضربت الممرضة بأطراف اصابعها بين حاجبيه فجاءها الرد التي انتظرته فوضعت له السرجه التي بقى ذلك الغاز في انفه وفجأة صرخ صرخه قويه دوى صداها في الغرفة، تلك الصرخه التي مازالت تفيقني في بعض الليالي فزعه، صرخه جعلتني افيق فجأة على معنى الموت
امسك رأسه وظل يصرخ ولكن الصرخات كانت اقل حده من اولها، امه اقتربت منه وظلت تقول له :" هاني سامعني..... هاني انا ماما رد عليا "، وظلت ترددها حتى طلبت منها الطبيبه نفس الطلب الذي طلبته من امي ان أسقيه الماء


وقتها أغلقت امي الستارة الفاصله بين السريرين ولكن الطبيبة باغتتها :" لأ متقفليش الستاير ممنوع"
رد امي عليها بحزم :" من المفروض في خصوصية للمريض"
الطبيبه بتهكم :" لأ انا عندي هنا كلهم واحد ... " ونظرت لي :" الي عايز يموت ملوش حاجه خالص"
وقتها عرفتها امي انها هي الاخرى طبيبة ولم ترد التدخل في عملها ولكن هذا التصرف غير مقبول منها وهمت للاتصال بمعارفها من الوزارة، فقالت الطبيبة :" خلاص طالما ده يريحكوا"


بدأ وقتها صوت هاني بالظهور :" ابعدوا عني انا مش عايز حد...." بصراخ وعويل، فصرخت فيه الطبيبة ان اصمت، وقتها اطمن قلب امه عليه وبدأت بتوبيخه بشده :" انت مجنون ولا فاكر انك لما تموت مشاكلك هتخلص دي هتبتدي يا أستاذ، الي انت عملته ده تخلف مش حل........."

اردت ان اصرخ في ووجها ان اصمتي ودعيه، فهو غير محتاج الى التوبيخ الان، بالفعل اردت احتضانه وطمأنته ان لا تخف انا افهمك انا معك فيما انت فيه، انا افهمك بدون الحاجه للكلام
لكني لم استطع فامي مازالت امامي تسقيني الماء وافرغه، والستائر مازالت مغلقه ومازالت الحالات على حد تعبير العاملين هناك تاتي دون توقف حتى بعد ان انتصف الليل فمازال فاقدوا الامل اكثر من الحاصلين عليه

6 comments:

momken said...

انا علقت على البوست ده قبل كده
تعليقى راح فين

ها
هتقرى ولا هتتكلمى قدام حضره امين الشرطه

Shaimaa said...

ازيك يا ممكن ايه الغبية دي كلها
انا فعلا مسحت البوست ده بالغلط وحطيته تاني
فممكن التعليق يكون اختفى مع الي راح
سماح المرة دي

مـجـنـووون said...

معلش من الي حقوله
بجد انا موت علي نفسي من الضحك علي البوست ده وبالذات موقف الدكتورة ، بس علي فكرة هي قالت كلمه مفيدة ( الي عايز يموت ملهوش أي حاجه )
تاني حاجه
بجد حاجه غريبه قوي لما واحد عايز ينتحر او يعمل نصيبه لازم يقول لحد

الي اعرفه ان الي عايز ينتحر ينتحر من غير ما يقول لحد والا يبقي بقي عايز حد ينقذه وانه مش جد في كلامه يعني من الاخر بيهرج
وبعدين يا ستي ان في الانتحار أو في الموت راحه دا في اخره ربنا يستر علينا منها ،وبعدين لو في الانتحار راحه ، كنت لقيتي شعب مصر الصبح كله في القرافه ، بس هي الدنيا كده شويه فرح وشويات تعب وقرف وزهق
امضاء
مااازن

Shaimaa said...

crazy-love
مازن هو البنات عموما لما بتيجي تعمل موصيبه لازم تقول لواحده صاحبتها وتحلفها انها متقولش لحد فده موف طبيعي انها تقول لصحبتها
وبعدين محدش فينا نفسه يموت هو احنا طايقين الدنيا لما انطيق حر جهنم
بس زعلت ان كلام الدكتورة عجبك
لانها بجد بجد كانت مستفزة جدا
ولو على شعب مصر فنصه بالفعل عايش في القرافات ونصه التاني عنده اكتئاب

مـجـنـووون said...

اسف سيدتي الفاضلة لم اقصد ان الي بتعمله الدكتورة عجبني ، أنا ياما اتعركت في المستشفيات بسبب الحركات الي بيعملها الدكاترة والممرضين ، بس أنا قولت عجبني كلمتها الي هي قالتها
"ألي عايز يموت ملهوش حاجه خالص "
وخدي بالك في مواقف بتتطلب من الانسان أنه يكون بارد علشان يقدر يتعامل مع الوضع إلي هو فيه
علي فكرة دي وجهت نظري مش بالضرورة تكون صح
امضاء
مجنووون

Unknown said...

مش بيحس بيه.. إلا اللي تعرض له قبله
وفهم رد فعله

ومش هيحس بيه إلا اللي زيه

ياترى ياهاني لقيت حد يطبطب عليك وتحكي له ويفهمك؟ ولالسه؟